شرح
السند مجهول.
قوله: (عهد إلى آدم) أي أمره وأوصاه.
و قوله: (أن لا يقرب هذه الشجرة) أي لا يتناول،ولا يأكل منها.عبّر عنها بالقُرب مبالغةً في تحريمها.
وقال البيضاوي:
الشجرة:هي الحنطة،أو الكرمة،أو التينة،أو شجرة من أكل منها أحدث-قال:- والأولى أن لا تعيّن من غير قاطع،كما لم تعيّن في الآية؛لعدم توقّف ما هو المقصود عليه.انتهى .ونقل الاختلاف عن الاُمّة في نهيه عليه السلام عن أكل الشجرة نهي تنزيه أو تحريم،فمذهب علمائنا الأوّل،وقالوا:لا ينافيه نسبة العصيان والغواية إليه في قوله تعالى:
وأمّا العصيان والغواية في الآية فإنّما يراد بهما ما حصل بفعل محرّم؛ألا ترى أنّك إذا قلت لرجل على سبيل التنزيه:لا تفعل كذا؛فإنّ الخير في خلافه،ففعله،صحّ لك أن تقول: عصاني،وخالفني،فغوى؛أي خاب عن ذلك الخير.أو يُراد أنّه ضلّ عن مطلوبه بناءً على ما قيل من أنّه عليه السلام طلب الخلد بأكلها،أو عن المأمور به،أو عن الرشد حيث اغترّ بقول العدوّ.
وتفصيل المقام ما أفاده بعض الأفاضل الكرام حيث قال:
اعلم أنّ أقوى شبهة المخطئين للأنبياء الظواهر الدالّة على عصيان آدم عليه السلام، وحملوها على ظواهرها بناءً على أصلهم من عدم وجوب عصمة الأنبياء،وضبط القول في ذلك أنّ الاختلاف في هذا الباب يرجع إلى أقسام أربعة:
أحدها:ما يقع في باب العقائد.
وثانيها:ما يقع في التبليغ.
وثالثها:ما يقع في الأحكام والفتيا.
ورابعها:في أفعالهم وسيرهم.
أمّا الكفر والضلال في الاعتقاد،فقد أجمعت الاُمّة على عصمتهم عنها قبل النبوّة وبعدها،غير أنّ الأزارقة من الخوارج جوّزوا عليهم الذنب،وكلّ ذنب عندهم كفر، فلزمهم تجويز الكفر عليهم،بل يحكى عنهم أنّهم قالوا:يجوز أن يبعث اللّٰه نبيّاً علم أنّه يكفر بعد نبوّته.
وأمّا النوع الثاني-وهو ما يتعلّق بالتبليغ-فقد اتّفقت الاُمّة،بل جميع أرباب الملل والشرائع على وجوب عصمتهم عن الكذب والتحريف فيما يتعلّق [بالتبليغ] عمداً
وسهواً إلّاالقاضي أبا بكر؛فإنّه جوّز ما كان من ذلك على سبيل النسيان وفَلَتات اللِّسان.
وأمّا النوع الثالث-وهو ما يتعلّق بالفتيا-فأجمعوا على أنّه لا يجوز خطاؤهم فيه عمداً وسهواً إلّاشرذمة قليلة من العامّة.
وأمّا النوع الرابع-وهو الذي يقع في أفعالهم-فقد اختلفوا فيه على خمسة أقوال:
الأوّل:مذهب أصحابنا الإماميّة،وهو أنّه لا يصدر عنهم الذنب لا صغيرة ولا كبيرة، لا عمداً ولا نسياناً،ولا للإسهاء من اللّٰه،ولم يخالف فيه إلّاالصدوق وشيخه محمّد بن الحسن بن الوليد؛فإنّهما جوّزا الإسهاء،لا السهو الذي يكون من الشيطان.
الثاني:أنّه لا يجوز عليهم الكبائر،ويجوز عليهم الصغائر،إلّاالصغائر الخسيسة المنفّرة،كسرقة حبّة أو لقمة،وكلّ ما ينسب فاعله إلى الدناءة والضعة،وهذا قول أكثر المعتزلة.
الثالث:أنّه لا يجوز إتيانهم بصغيرة ولا كبيرة على جهة العمد،لكن يجوز على جهة التأويل أو السهو.وهو قول أبي عليّ الجبائي.
الرابع:أنّه لا يقع منهم الذنب إلّاعلى جهة السهو والخطأ،لكنّهم مأخوذون بما يقع منهم سهواً،وإن كان موضوعاً عن اُممهم؛لقوّة معرفتهم وعلوّ مرتبتهم،وأنّهم يقدرون من التحفّظ على ما لا يقدر عليه غيرهم.وهو قول النظام،وجعفر بن مبشر،ومن تبعهما.
الخامس:أنّه يجوز عليهم الكبائر والصغائر عمداً وسهواً وخطأً.وهو قول الحشويّة،وكثير من أصحاب الحديث من العامّة.
ثمّ اختلفوا في وقت العصمة على ثلاثة أقوال:
الأوّل:أنّه من وقت ولادتهم إلى أن يَلقُوا اللّٰه سبحانه.وهو مذهب أصحابنا الإماميّة.
والثاني:أنّه من حين بلوغهم،ولا يجوز عليهم الكفر والكبيرة قبل النبوّة.وهو مذهب كثير من المعتزلة.
والثالث:أنّه وقت النبوّة،وأمّا قبله فيجوز صدور المعصية عنهم.وهو قول أكثر الأشاعرة.وبه قال أبو هذيل،وأبو عليّ الجبائي من المعتزلة.
إذا عرفت هذا،فاعلم أنّ العمدة فيما اختاره أصحابنا قول أئمّتنا عليهم السلام،وإجماع أصحابنا مع تأيّده بالنصوص المتظافرة حتّى صار ذلك من قبيل الضروريّات في مذهبنا،وقد استدلّوا بالأدلّة العقليّة أيضاً.انتهى .والجواب عن شبه المخالفين ما عرفت.
و قوله: (فلمّا بلغ الوقت الذي كان في علم اللّٰه أن يأكل منها نسي،فأكل منها) .
تحقيقه ما مرّ في الاُصول من كون علمه تعالى تابعاً للمعلوم،وعدم علّيّته له.نعم، لمّا علم أكله،أراد أن يأكله؛ليطابق علمه بالمعلوم إرادة تخيير واختيار،لا إرادة حتم وإجبار.
وبه يظهر سرّ ما روي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال:«نهى آدم عن أكل الشجرة،وشاء أن يأكل منها،ولو لم يشأ لم يأكله» .وأيضاً يندفع به التنافي بين إرادة الأكل والنهي عنه المتضمّن لإرادة تركه.
وهذا التوجيه جارٍ في أفعال العباد من المناهي كلّها.
وقوله تعالى:
قال البيضاوي:
أي ولقد أمرناه.يُقال:تقدّم الملك إليه،وأوعَزَ إليه،وعزم عليه،وعهد إليه،إذا أمره. واللام جواب قسم محذوف.
بمعنى العلم،فله عزماً مفعولاً،وإن كان من الوجود المناقض للعدم،فله حال من عزماً،أو متعلّق ب«نجد»انتهى .وقد ورد في كثير من الأخبار تفسير النسيان بالترك.
وقال الجزري:«أصل النسيان:الترك» .واعلم أنّه قد مرَّ في كتاب الإيمان والكفر من الاُصول عن أبي جعفر:أنّ المراد بالعهد في هذه الآية العهد إلى آدم عليه السلام بخلافة المهديّ عليه السلام ؛ولا تنافي بينهما؛إذ العهد المطلق شامل لهما.
و قوله: (اُهبط منها) صيغة المجهول؛أي اُنزل.
و قوله: (توأم) .
قال الفيروزآبادي:
التوءم من جميع الحيوان:المولود مع غيره في بطن من الاثنين فصاعداً،ذكراً أو اُنثى.والجمع:توائم،وتؤام،كرخال.ويقال:توأم للذكر وتوأمة للاُنثى،فإذا جُمِعا فهما تَوْأمان وتَوأم .وقال الجوهري:«قال الخليل:تقدير توأم فَوعَلٌ،وأصله وَوْأم،فاُبدل من إحدى الواوين تاء،كما قالوا:تولج من وَلَج» .
و قوله: (كبشاً) بسكون الباء.
في
و قوله: (ما لم يُنَقَّ) على بناء المفعول،من التنقية،أو الإنقاء.
قال الجوهري:«التنقية:التنظيف» .وقال الجزري:«التنقية:إفراد الجيّد من الرديء» .
و في
وقوله تعالى:
قال البيضاوي:
بالحقّ،صفة مصدر محذوف؛أي تلاوة ملتبسة بالحقّ.أو حال من الضمير في «اُتل»،أو من«نبأ»؛أي ملتبساً بالصدق،موافقاً لما في كتب الأوّلين.
والقربان:اسم لما يتقرّب به إلى اللّٰه من ذبيحة،أو غيرها،كما أنّ الحُلوان اسم ما يُحلى [به]؛أي يُعطى،وهو في الأصل مصدر،ولذلك لم يثنّ.
وقيل:تقديره:إذ قرّب كلّ واحدٍ منهما قرباناً.قيل:كان قابيل صاحب زرع،وقرّب أردأ قمح عنده،وهابيل صاحب ضَرع،وقرّب حَمَلاً سميناً.
وفيه إشارة إلى أنّ الحاسد ينبغي أن يرى حرمانه من تقصيره،ويجتهد في تحصيل ما به صار المحسود محظوظاً،لا في إزالة حظّه؛فإنّ ذلك ممّا يضرّه ولا ينفعه،وإنّ الطاعة لا تُقبل إلّامن متّقٍ .
و قوله: (فعمد) أي قصد.
و قوله: (يجري من ابن آدم مجرى الدم) .
نقل عن الأزهري أنّه قال:«معناه أنّ الشيطان لا يفارق ابن آدم ما دام حيّاً،كما لا يفارق دمه».
وقال:
هذا على طريق ضرب المثل،والأكثر أجروه على ظاهره،وقالوا:إنّ الشيطان جعل
له هذا المقدار من التطرّق إلى باطن الآدمي،إلى أن يصل إلى قلبه،فيوسوسه على
حسب ضعف إيمانه وقلّة ذكره وكثرة غفلته،ويبعد عنه،ويقلّ وسوسته وتسلّطه وسلوكه إلى باطنه بمقدار قوّته ويقظته ودوام ذكره وإخلاص توحيده.ويشهد لذلك ظواهر الكتاب والسنّة .
و قوله: (يكون له عقب يفتخرون) .
في
و قوله: (فقتله) .
قيل:كان هابيل أقوى منه،ولكن تحرّج عن قتله،واستسلم منه خوفاً من اللّٰه؛لأنّ الدفع لم يُبَح بعدُ .وقيل:إنّه قتل،وهو ابن عشرين سنة عند عقبة حذّاء.وقيل:بالبصرة في موضع المسجد الأعظم .
و قوله: (فلمّا رجع قابيل) إلى آخره.
قال بعض المؤرّخين:«كان آدم عليه السلام عند وقوع تلك الواقعة مشتغلاً بأداء مناسك الحجّ، فلعلّ رجوع قابيل إليه كان بعد عوده عليه السلام من مكّة» .وروي أنّه لمّا قتله،اسودّ جسده،فسأله آدم عن أخيه،فقال:ما كنتُ عليه وكيلاً.فقال: بل قتلته،ولذلك اسودّ جسدك،وتبرّأ منه،ومكث بعد ذلك مائة سنة لا يضحك .
و قوله: (فوجد هابيل قتيلاً) .
يظهر ممّا ذكرنا أنّه عليه السلام وجده مدفوناً،ويدلّ عليه أيضاً قوله تعالى:
و قوله: (لُعِنْتِ من أرض) على البناء للمفعول،بصيغة المؤنّث للمخاطبة،خاطب عليه السلام القطعة من الأرض التي قُتل فيها ابنه بالدعاء عليها،وقد شاع ذمّ المكان والزمان باعتبار وقوع الفعل فيهما.
وقيل:يحتمل أن يكون لُعِنَتْ-بسكون التاء-مسنداً إلى ضمير القطعة منها،وكلمة «من»على التقديرين بيانيّة،أو للتبعيض،باعتبار أنّ الملعونة هي تلك القطعة من الأرض لا جميعها؛إذ لها قطع مباركة طيّبة نزلت فيها الرحمة والخير دائماً .واللعن:الطرد،والإبعاد.والملعون:المشؤوم البعيد من الخير.
و قوله: (فسمّاه هبة اللّٰه) .
قيل:دلّ هذا على أنّه عليه السلام يعرف لغة العرب،ويتكلّم بها.وقيل:اسمه بالسريانيّة:«شيث»، والتسمية ب«هبة اللّٰه»من العرب .
و قوله: (واُخته توأم) عطف على«غلام»،و«توأم»خبر مبتدأ محذوف،والجملة حال من المعطوف،بل من المعطوف عليه أيضاً.
ويحتمل أن يكون الواو للحال،و«اُخته توأم»مبتدأ وخبر،أو تكون الجملة حالاً من «غلام».
وقيل:فيه ردّ لما ذكره بعض العامّة من أنّه تولّد من حوّاء منفرداً بخلاف سائر الإخوة.
و قوله: (استكمل أيّامه) .
في
و في
و قوله: (قد قضيت نبوّتك) على صيغة المخاطب المعلوم،أو الغائبة المجهولة.
وقس عليه قوله: (واستكملت أيّامك) .
و قوله: (فاجعل العلم) إلى قوله: (وآثار علم النبوّة) .
قيل:لعلّ المراد بالعلم العلم بالأحكام وغيرها ممّا اُوحي إليه،وبالإيمان اُصول الدِّين وأركانه،وبالاسم الأكبر الاسم الأعظم،أو كتاب الأنبياء.
روى المصنّف رحمه الله في باب ما نصّ اللّٰه ورسوله على الأئمّة،عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام:«أنّ الاسم الأكبر هو الكتاب الذي يعلم به علم كلّ شيء،الذي كان مع الأنبياء» .والمراد بميراث العلم الإرشاد والتعليم والهداية والخلافة.وبآثار علم النبوّة الصلاح والكرامات والأسرار التي لايجوز للنبيّ إظهاره لغير الوصيّ.
وقال بعض المؤرّخين من العامّة:إنّ آدم عليه السلام أخرج صندوقاً أبيض عند وصيّته إلى شيث عليه السلام،وفتح قفله،وأخرج منه صحيفة بيضاء،ونشرها،فبلغ نورها شرقاً وغرباً،وكانت فيها أسامي جميع الأنبياء والأوصياء وصفاتهم وعلاماتهم ومعجزاتهم وأزمنتهم وأيّامهم ومدّة عمرهم وما يرد عليهم من القضاء والبلاء،أوّلهم آدم عليه السلام،وآخرهم خاتم الأنبياء، وسائرهم على الترتيب،فعرضهم على شيث،ثمّ وضعها في الصندوق،ودفعه إلى شيث، وأمره بحفظه .
و قوله: (في العقب من ذرّيّتك) .
كلمة«من»للتبيين،أو للتبعيض.وذرّيّة الرجل:ولده.
و قوله: (عند هبة اللّٰه) بيان للذرّيّة.
ويفهم منه أنّ الرسالة والنبوّة والوصاية من لدن آدم عليه السلام إلى من بلغ إنّما كانت بأمر اللّٰه عزّ وجلّ،وتنصيص الأنبياء ووصيّتهم وهكذا كانت سنّة اللّٰه فيهم،فبطل قول من زعم تفويض الخلافة والإمامة إلى إجماع الجهلة من هذه الاُمّة،
و قوله: (ولن أدَع الأرض) أي لن أتركها.
و قوله: (ويكون نجاة) .
اسم«يكون»العالم المذكور،أو ما عنده من آثار علم النبوّة.والمراد بالنجاة نجاة الدارين
لمن مضى بسيرة العلماء،واستنّ بسنّتهم،والنجاة من عقوبة الدُّنيا لمن لم يكن بهذه المثابة؛ فإنّ وجود العالم سبب لبقاء نظام الخلق،ولولاه لساخت الأرض بأهلها.
و قوله: (وبشّر آدم بنوح صلّى اللّٰه عليهما) .
قال الجوهري:«بَشَره يَبْشُرُهُ،من البُشرى.وكذا أبشر وبشّر.والاسم:البشارة.بَشَرَ به يَبشَرُ استبشر» ؛يعني أنّه عليه السلام أخبر ابنه هبة اللّٰه ببعثة نوح عليه السلام وظهوره.
وقيل:اسم نوح بالسريانيّة:«يشكر».وقيل:«ساكن».وقيل:«ساكب»أو«سكبا»،وسمّاه العرب نوحاً،وآدماً ثانياً،ولقّبوه بشيخ الأنبياء ونجيّ اللّٰه.
وذكر بعض العامّة لتسميته عليه السلام بنوح ثلاثة أوجه أحدها:أنّه مرَّ بكلبٍ أجرب،فقال:إخسأ يا قبيح،فتكلّم الكلب،وقال:اُخلق وأوجِد ما هو أحسن منّي إن قدرتَ.أو قال:تعيب النقّاش،دون النقش.أو قال:احفظ لسانك،إنّما أجريت أنت اسم آدمَ،ووصف النبوّة على نفسك،فاضطرب نوح،وبكى سنين كثيرة،فسمّي بنوح؛لكثرة اشتغاله بالنوحة.وإنّما سمّوه آدم الثاني؛لأنّ سلسلة أنساب بني آدم تنتهي إليه بعد الطوفان .قال الجوهري:«الطوفان:المطر الغالب يغشي كلّ شيء.قال الأخفش:واحدها في القياس:طوفانة» .
و قوله: (وكان بين آدم وبين نوح-صلّى اللّٰه عليهما-عشرة آباء أنبياء وأوصياء كلّهم) ؛يعني بعضهم نبيّ،وبعضهم وصيّ،لم يخرج النبوّة والوصاية من بينهم.
واعلم أنّ جماعة من أرباب السِّير ذكروا بين آدم ونوح ثمانية آباء؛اثنان منهم من الأنبياء، والباقي من الأوصياء هكذا:نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ،وهو إدريس عليه السلام بن اليارد بن مهلائيل بن قينان بن انوش بن شيث بن آدم عليه السلام.
والأشهر في كتب النسّابة:نوح بن مشخد بن لمك،إلى آخره،فيكون بينهما تسعة من الآباء .
ويمكن حمل هذه الرواية على القولين بإدخال الطرف الواحد،أو الطرفين في جملة العشرة.واللّٰه أعلم بحقائق الاُمور.
(وأوصى آدم عليه السلام إلى هبة اللّٰه) .
قال الجوهري:«أوصيت له بشيء،وأوصيت إليه،إذا جعلته وصيّك» .
و في
و قوله: (فأرسل هبة اللّٰه) إلى آخره.
كأنّه عليه السلام كان عالماً بمجيء جبرئيل أو غيره من الملائكة،فأرسله ليلقاهم في الطريق.
وقيل:فيه دلالة على أنّه كان للملائكة مقام معلوم يراهم آدم ووصيّه فيه،وإلّا لما احتاج إلى الإرسال .هذا كلامه،وهو كما ترى.
و قوله: (يستهديك) أي طلب منك الهديّة.
و قوله: (حتّى إذا بلغ) أي جبرئيل،أو هبة اللّٰه.
(للصلاة عليه) .
في بعض النسخ:«بالصلاة».وفي
و قوله: (فليس لنا أن نؤمّ شيئاً من وُلده) .
في الفقيه:«قال جبرئيل:فلسنا نتقدّم أبرار ولده،وأنت من أبرّهم» ،وهذا كالصريح في أنّ الأبرار من بني آدم أفضل من جبرئيل وسائر الملائكة،وأنّ تقدّم المفضول على الفاضل غير جائز في أمر الصلاة،فكيف غيرها ممّا هو أعظم منها من الرئاسة العامّة في اُمور الدِّين والدُّنيا.
و قوله: (كبّر عليه ثلاثين تكبيرة) أي في صلاة واحدة،أو في ستّ صلوات.
وفي
وفي بعض روايات العامّة:«أنّه كبّر عليه ثلاث تكبيرات».وفي بعضها:«أربع تكبيرات» .
و قوله: (فأمر جبرئيل) ؛لعلّ المراد أنّه عليه السلام أمر هبة اللّٰه.
(فرفع) أي أسقط،ووضع . (خمساً وعشرين تكبيرة) أي وجوبها،أو عموم مشروعيّتها،فلا ينافي ما روي من فعل النبيّ صلى الله عليه و آله أحياناً لبعض الخصومات.
و قوله: (وقد كان يكبّر على أهل بدر تسعاً وسبعاً) .الظاهر أنّها في الصلاة على ميّت واحد.
ويحتمل كونها بالتشريك على ميّتين؛بأن كان حضور الثاني بعد [التكبير] الثاني،أو بعد الرابع.
(ثمّ إنّ هبة اللّٰه لمّا دفن أباه) .
قال أرباب التواريخ:«دفنه في غار جبل أبي قبيس» .وقال بعضهم:«ثمّ حمله نوح عليه السلام يوم الطوفان معه في السفينة،ودفنه بعد الخروج منها في سرنديب» .وقيل:«عاش حيّاً عليه السلام بعده بسنة».وقيل:«سبع سنين» .
و قوله: (فلبث هبة اللّٰه) إلى آخره.
فيه دلالة على أنّ العلم ما زال مكتوماً منذ توفّي آدم عليه السلام،وأنّ التقيّة شرعت من ذلك الوقت.
و قوله: (وظهرت وصيّة هبة اللّٰه) أي ظهر صدق إخباره،ووصيّته ببعثة نوح،أو ببعثة الأنبياء الذين كانوا قبله أيضاً.
وقيل:أي ظهر كونه وصيّاً لآدم؛لأنّه كان يُخفيه من الأشرار .
و قوله: (أن يتعاهد هذه الوصيّة) أي أنّه عليه السلام أمره بالمحافظة والمواظبة على تجديد العهد
بها وتلاوتها لئلّا تندرس آثارها.
قال الجوهري:«التعهّد:التحفّظ بالشيء،وتجديد العهد به.وتعهّدت فلاناً،وتعهّدت ضيعتي،وهو أفصح من قولك:تعاهدته؛لأنّ التعاهد إنّما يكون بين اثنين» .
و في
و قوله: (فيتعاهدون نوحاً) إلى آخره.
ضمير الجمع للمؤمنين المستخفين من قابيل وأتباعهِ.والحاصل:أنّهم يتجدّدون العهد بالوصيّة به،ويطلبونها،وينظرون ما فيها من نعته وزمان بعثته؛ليصدّقوه،ويؤمنوا به عند ظهوره.
و قوله: (بالعلم الذي عندهم) ؛يعني وصيّة آدم وأبناءه الأنبياء والأوصياء.
(وهو) أي كون نوح رسولاً بأمر اللّٰه ووحيه،لا من عند نفسه،أو برأي الخلق.
(قول اللّٰه عزّ وجلّ) في مواضع عديدة من القرآن.
(وكان من بين آدم ونوح من الأنبياء) ؛لعلّ المراد بهم ما يعمّ الأوصياء.
(مستخفين) ؛خوفاً من قابيل وذرّيّته،كما مرّ.يُقال:استخفيت منك؛أي تواريت.
قيل:لعلّ المراد أنّ أكثرهم،أو جماعة منهم كانوا مستخفين،وإلّا فإدريس كان بين آدم ونوح نبيّاً،وسمّاه اللّٰه تعالى في القرآن،ورفعه مكاناً عليّاً . (ولذلك خفي ذكرهم في القرآن) ؛لأنّ ذكرهم فيه يوجب تكذيب المعاندين،حيث لم يحيطوا بهم خبراً.
و قوله: (وهو) أي ذكر المستعلنين منهم دون المستخفين.
(قول اللّٰه عزّ وجلّ) في سورة النساء:
قال بعض المفسّرين:«نصب«رسلاً»بمضمر دلّ عليه«أوحينا»كأرسلنا» .
و قوله: (فمكث نوح) إلى آخره.
قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى:
بعد المبعث؛إذ روي أنّه بعث على رأس الأربعين،ودعا قومه تسعمائة وخمسين، وعاش بعد الطوفان ستّين.
ولعلّ اختيار هذه العبارة للدلالة على إكمال العدد؛فإنّ تسعمائة وخمسين قد يطلق على ما يقرب منه،ولما في ذكر الألف من تخييل طول المدّة إلى السامع؛فإنّ المقصود من القصّة تسليته لرسول اللّٰه صلى الله عليه و آله،وتثبيته على ما يكابده من الكفَرَة، واختلاف المميّزين؛لما في التكرير من البشاعة .
و قوله: (وذلك) أي تكذيب قوم نوح للأنبياء.
(قول اللّٰه عزّ وجلّ) في سورء الشعراء:
قال بعض المفسّرين:«القوم مؤنّثة،ولذا تصغّر على قويمة» . (يعني من كان بينه وبين آدم) ؛لعلّ المراد أنّهم كذّبوا تلك الرسل أوّلاً،ثمّ كذّبوا نوحاً بعد مبعثه.
وقيل:يعني كذّبوا نوحاً ومن قبله من الرسل بعد إظهار نوح عليه السلام رسالتهم.وفسّر الآية به بعض المفسّرين أيضاً.
وقال بعضهم:إنّهم كذّبوا نوحاً وحده،إلّاأنّ تكذيب واحد من الرُّسل لمّا كان كتكذيب الكلّ صحّ أنّهم كذّبوا الكلّ . (إلى أن انتهى) ؛يعني أمر القوم من اللجاج والعناد،ودعائه عليه السلام عليهم وإهلاكهم بالطوفان.
(إلى قوله عزّ وجلّ:
و قوله: (فإنّ اللّٰه-عزّ وجلّ-يُنجيه) أي هوداً أو من تبعه.
ويحتمل إرجاع الضمير إلى أحدهما فقط.
(وهو قول اللّٰه عزّ وجلّ) في سورة الأعراف:
قال البيضاوي:
المراد به الواحد منهم،كقولهم:يا أخا العرب؛فإنّه هود بن عبد اللّٰه بن رياح بن الخلود بن عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح.وقيل:هود بن شالح بن أرفخشد بن سام ابن عمّ أبي عاد . (وقوله عزّ وجلّ) في سورة الشعراء:
(وقال تبارك وتعالى) في سورة البقرة:
قال البيضاوي:
التوصية،هي التقدّم إلى الغير بفعل فيه صلاح وقربة،وأصلها:الوصل.يُقال: وصّاه،إذا وصله.وفَصّاه،إذا فعله،كأنّ الموصي يصل فعله بفعل الوصيّ .والضمير في«بها»للملّة،أو لقوله:«أسلمت عنّي تأويل الكلمة»،أو الجملة.
وفسّره عليه السلام ب قوله: (لنجعلها) بصيغة المتكلّم.وفي بعض النسخ:«ليجعلها»بصيغة الغيبة.
(في أهل بيته) .
لعلّ المراد:هديناه لتعيين الخليفة،لنجعل الخلافة في أهل بيته،فيدلّ على أنّها من صُنعه تعالى يضعها فيمن يشاء،ولم يفوّضها بآراء الناس واختيارهم.
قال البيضاوي:«أي من قبل إبراهيم،عدّ هداه نعمة على إبراهيم من حيث إنّه أبوه، وشرف الوالد يتعدّى إلى الولد» . (وأمر العقب من ذرّيّة الأنبياء عليهم السلام مَن كان قبل إبراهيم) أي أمر هود عليه السلام العقب بتعاهد الوصيّة.
(لإبراهيم عليه السلام) .
وفي كثير من النسخ:«وآمَن العقب».
وكلمة«من»في قوله: (من الأنبياء) للتبعيض،وكان قوله عليه السلام: (وهو قول اللّٰه عزّ وجلّ:
وقوله:
قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى في سورة هود:
أي لا يكسبنّكم [
بهم.أو ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمساوي،فلا يبعد عنكم ما أصابهم.
وإفراد البعيد؛لأنّ المراد:وما إهلاكهم،أو وما هم شيء ببعيد.ولا يبعد أن يُسوّى في أمثاله بين المذكّر والمؤنّث؛لأنّها على زِنة المصادر،كالصهيل والشهيق .أقول:الغرض من قوله:«ولا يبعد أن يسوّى»إلى آخره،دفع ما يقال من أنّ«قوماً» مؤنّث باعتبار الجمعيّة،أو لتصغيره على«قويمة»،فالمناسب أن يُقال:«ببعيدة».
وقال في تفسير قوله تعالى في سورة العنكبوت:
و قوله: (فجرى بين كلّ نبيّين) أي من الأنبياء المعروفين،أو اُولي العزم.
و قوله: (ما جرى لنوح عليه السلام) من وصيّته إلى وصيّه،والأمر بتعاهدها وكتمانها،وبشارته بمن يأتي بعده من الأنبياء.
وهذا كالتأكيد لقوله:«وكذلك جاء في وصيّة كلّ نبيّ».
(وكما جرى لآدم) من وصيّته إلى هبة اللّٰه،وبشارته بنوح.وكذا البواقي.
و قوله: (حتّى انتهت) أي الوصيّة،أو النبوّة.
و قوله: (فكان بين يوسف وبين موسى من الأنبياء) من قبيل قوله ممّا مرّ.
وقوله عليه السلام: (ثمّ أرسل الرُّسل تترى...) اقتباس من قوله تعالى في سورة المؤمنون:
قال البيضاوي:
وقرأ أبو عمرو:«وتترًى»بالتنوين،على أنّه مصدر بمعنى المتواترة وقع حالاً.
و قوله: (اثنان قائمان) جملة حاليّة؛أي والحال أنّ اثنين من الأنبياء قائمان ينظران إلى النبيّ المقتول،ولا ينصرانه للتقيّة،أو لعدم القدرة على النصرة.
والغرض أنّ التقيّة ممّا جرت به سنّة اللّٰه في الأوّلين والآخرين،وليست مختصّة بأوصياء هذه الاُمّة وشيعتهم.أو يراد باثنان رجلان من القوم واقفان،ولا يزجران القاتل؛إمّا لما ذكر، أو عدم المبالاة،وعلى هذا القياس.
قوله: (ويقتلون اثنين وأربعة قيام) جمع قائم.
و قوله: (ويقوم سوق قتلهم) .
السوق،بالضمّ:معروف،وقيامه:نَفاقه،ورواجه.
(آخر النهار) ظرف للقيام،أو غاية له.وعلى الثاني يكون المراد أنّهم كانوا يقتلون في هذا الزمان القليل هذا العدد الكثير.
وفي بعض النسخ:«سوق بقلهم»،وهو موافق لما روي في غير هذا الخبر؛أي لا يبالون بذلك حيث كان بعد قتل سبعين نبيّاً يقوم أسواقهم إلى آخر النهار،حتّى سوق بقلهم.
و قوله: (وكان بين يوسف وموسى من الأنبياء) تأكيد لما مرّ سابقاً.
و قوله: (وذلك) أي كون العلم والإيمان والوصاية في العقب من ذرّيّته،وعدم قطعها
عنهم؛لأنّهم آل إبراهيم،وهم آل عمران،وهم الذرّيّة التي بعضها من بعض.
وقيل:«ذلك»إشارة إلى كون العلم والرسالة والولاية والوصاية في السابقين واللاحقين بوحي منه تعالى وأمره . (قول اللّٰه تعالى) في سورة آل عمران:
قال البيضاوي:
أي بالرسالة والخصائص الروحانيّة والجسمانيّة،ولذلك قَووا على ما لم يَقْوَ عليه غيرهم.
وقيل:بعضها من بعض في الدين.والذرّيّة:الولد،يقع على الواحد والجمع،فُعليّة من الذرّ،أو فُعّولة من الذرء اُبدلت همزتها ياء،ثمّ قلبت الواو،واُدغمت.
و قوله: (لم يجعل العلم جهلاً) .
قيل:أي لم يجعل العلم مبنيّاً على الجهل،بأن يكون أمر الحجّة مجهولاً لا يعلمه الناس، ولا بيّنه لهم،أو لم يجعل العلم مخلوطاً بالجهل،بل لابدّ أن يكون العالم عالماً بجميع ما
يحتاج إليه الخلق،ولا يكون اختيار مثله إلّامنه تعالى .وقيل:أي لم يجعل العلم قطّ بمنزلة الجهل،ولا العالم بمنزلة الجاهل في وجوب الاتّباع، بل أمر باتّباع العلم والعالم في جميع الأزمنة والأعصار دون الجهل والجاهل،فكيف يجوز بهذه الأدلّة تقديم الجاهل على العالم؟! وقال الفاضل الإسترآبادي:
فيه ردّ على من قال بأنّ اللّٰه تعالى بيّن بعض أحكامه على لسان نبيّه،وفوّض الباقي إلى ظنون المجتهدين وأفكارهم واجتهاداتهم الظنّيّة،وأمر من لم يبلغ درجة الاجتهاد الظنّي باتّباع ظنون المجتهدين.
وملخّص الكلام أنّ الظنّ قد يكون باطلاً،فيكون جهلاً؛لعدم مطابقة الواقع،وأمر عباده باتّباع العلم،وهو اليقين المطلوب للواقع . (ولم يَكل) أي لم يترك،ولم يسلّم أمره في تقرير الأحكام وتعيين الهداة.
(إلى أحد من خلقه،لا إلى ملكٍ مقرّب،ولا نبيّ مرسل) ؛فكيف غيرهما ؟!
(ولكنّه تعالى أرسل رسولاً من الملائكة) إلى من يشاء من أنبيائه ورسله.
(فقال له) أي لذلك الملك: (قل) للرسل والأنبياء.
(كذا وكذا) ؛فأمرهم اللّٰه،أو ذلك الملك بما يحبّ اللّٰه.
(ونهاهم عمّا يكره) من الاُمور المختصّة بهم،أو الأعمّ.
(فقصّ عليهم أمر خلقه) .
في
و قوله: (بعلم) حال عن الفاعل.والغرض منه أنّ تحديثه كان مقروناً بعلم من اللّٰه تعالى لا برأيه،فإذا لم يفوّض شيئاً من أمر الخلق إلى رأي الملك الرسول من اللّٰه،فكيف يفوّضه إلى الجهلة من الناس . (فعلم ذلك العلم،وعلّم أنبياءه وأصفياءه) .
«علم»في الموضعين يحتمل أن يكون على صيغة المجرّد المعلوم؛أي عَلم ذلك الملك العلم الذي أفاضه اللّٰه تعالى عليه،وعلّمه إيّاه،وعَلِمَ أنبياؤه وأصفياؤه ذلك العلم بتعليم ذلك الملك.
أو يكون على صيغة المزيد المعلوم فيهما؛أي علّمه اللّٰه ذلك العلم،وعلّم هو أنبياء اللّٰه وأصفياءه.
أو يكون الأوّل من المجرّد،والثاني من المزيد،أو بالعكس.والمستتر فيهما في السابق عائد إلى الملك،وفي الأخير المستتر في الأوّل عائد إلى اللّٰه،وفاعل الثاني الأنبياء والأوصياء.
أو يكون الأوّل على صيغة المجهول من المزيد،والثاني على صيغة المعلوم منه، والمستتر فيهما عائداً إلى الملك.
وقيل:كأنّ المراد بالأنبياء المعنى العامّ الشامل للرُّسل أيضاً،وبالأصفياء الأوصياء مطلقاً؛ لصدقها على الرسل والأنبياء والأئمّة عليهم السلام،فبينهما عموم مطلق؛لأنّ كلّ نبيّ صفيّ،دون العكس.وحمل العطف على التفسير بعيد .
و قوله: (من الآباء والإخوان والذرّيّة التي بعضها من بعض) بيان للأصفياء؛يعني أنّ بعضهم آباء بعض،وبعضهم إخوان في النسب أو في الدِّين،كمحمّد وعليّ والحسن والحسين عليهم السلام، وكموسى ويوشع ويوسف وأسباط إخوته،وبعضهم ذرّيّةٌ من بعض.وقد اجتمعت الثلاثة في كثير منهم باختلاف الإضافة والاعتبار.
و قوله: (فذلك قوله عزّ وجلّ) ؛استشهاد لما أشار إليه من أنّ النبوّة والوصاية والعلم من قبله تعالى.
في سورة النساء:
(وأمّا الحكم فهم الحكماء) ؛الضمير راجع إلى معنى الحكمة المفهوم ضمناً،والغرض أنّ المراد بالحكمة حكمة الحكماء.
(من الأنبياء من الصفوة) .
والحكمة:خروج النفس إلى كمالها الممكن في مباني العلم والعمل.وبعبارة اُخرى هي العلم بالشرائع وأسرار التوحيد ومصالح الدُّنيا والآخرة،والعمل بمقتضاه.
وصفوة الشيء-مثلّثة-:ما صفا منه.وكلمة«من»في الموضعين بيانيّة،وكونها ابتدائيّة بعيد.
(وأمّا الملك العظيم فهم الأئمّة) أي وجوب طاعتهم.
روى المصنّف رحمه الله في باب أنّ الأئمّة ولاة الأمر،بإسناده عن حمران بن أعين،قال لأبي عبد اللّٰه عليه السلام:قول اللّٰه عزّ وجلّ:
فقال:«النبوّة».
قلت:
قال:«الفهم والقضاء».
قلت:
فقال:«الطاعة»انتهى .وكلمة«من»في قوله: (من الصفوة) كما عرفت.
و قوله: (هؤلاء) إشارة إلى الأنبياء والحكماء والأئمّة.
و قوله: (والعلماء) بالجرّ،عطف على الذرّيّة.
و قوله: (البقيّة) أي بقيّة علوم الأنبياء وآثارهم.وكأنّه إشارة إلى قوله تعالى:
وفي
البقيّة:اسم من البقاء،وهو ضدّ الفناء.و
وقيل:المراد عاقبة أمر النبوّة والولاية والوصاية.والعاقبة أيضاً:آخر كلّ شيء،وكأنّ المراد بها نبيّنا صلى الله عليه و آله،وهو آخر الأنبياء،أو المهديّ المنتظر وهو آخر الأوصياء.
ويمكن أن يُراد بها مجيء واحد بعد الآخر،على أن يكون مصدراً،ومنه العاقب،وهو الذي يخلُف من قَبله.
وفي الخبر:«ومن أسماء نبيّنا صلى الله عليه و آله العاقب؛لأنّه آخر الأنبياء» . (وحفظ الميثاق) .
«الميثاق»:العهد،وهم عليهم السلام يحفظون العهد الذي أخذه اللّٰه تعالى عليهم وعلى غيرهم، وأمرهم بأن يوفوا به.
(وللعلماء ولولاة الأمر استنباط العلم) .
تقديم الظرف للحصر.وفي بعض النسخ:«والعلماء»،وهو معطوف على العاقبة.
قال الفيروزآبادي:«نبط الماء:نبع.والبئر:استخرج ماءها،وكلّ ما أظهر بعد خفاء فقد
اُنبِط واستُنبِط مجهولين.واستنبط الفقيه:استخرج الفِقه الباطن برأيه واجتهاده» .والمراد بالعلم علم الكتاب من أسرار التوحيد،وعلم أحكام الدِّين والأخلاق والسياسيّات،وغير ذلك ممّا يختصّ علمه بهم،وهو المسمّى بالحكمة الإلهيّة.
(وللهداة) عطف على قوله:«لولاة الأمر».
وفي كتاب إكمال الدِّين وغيره:«فَهُمُ العلماء وولاةُ الأمر وأهل استنباط العلم والهداة» .وفيه إشارة إلى اختصاص الاستنباط بهم،وأنّ كلّ من ليست له قوّة الاستنباط لا يستحقّ أمر الخلافة.
(فهذا) أي استنباط العلم.
(شأن الفُضّل من الصفوة) .
كلمة«من»بيانيّة.و«الفضّل»بالضمّ والتشديد:جمع الفاضل،كركّع وراكع،وكمّل وكامل.
و قوله: (ولاة أمر اللّٰه) أي دينه،أو حكمه.
(واستنباط علم اللّٰه) عطف على أمر اللّٰه.
ولعلّ المراد بعلم اللّٰه الكتب الإلهيّة.
(وأهل آثار علم اللّٰه) عطف على الولاة.
وقيل:المراد به السلاح والمعجزات،والإخبار بالمغيبات،وتطهير الظاهر والباطن عن الرذائل،وتزيينها بالفضائل،وتحذير الخلق عن المنهيّات،وإرشادهم إلى الخيرات .
و قوله: (من الآباء) بيان للأنبياء.
و قوله: (فمن اعتصم بالفُضّل) أي المتّصفون بما ذكر من الصفات،وهم أهل البيت صلوات اللّٰه عليهم.
(انتهى بعلمهم) أي اقتصر به،ولم يتجاوز إلى غيره.أو وصل إليه.والأوّل أظهر.
وقيل:الباء للسببيّة؛أي وصل بسبب علمهم إلى الدرجة القصوى والمرتبة العُليا
المطلوب من الإنسان . (ونجا بنصرتهم) من وساوس الشيطان،وعقوبات النيران.
وقوله عليه السلام: (والمتكلّفين) عطف على«الجهّال»؛أي جعل المتكلّفين ولاة أمر اللّٰه.يُقال: تكلّفت الشيء،إذا تجشّمته،أو أظهرت ما ليس فيك.
(بغير هدىً من اللّٰه) ؛متعلّق بالتكلّف،أو بالجهل.ويحتمل كونه حالاً عن فاعل كلّ منهما، أو كليهما،أو عن«الجهّال».
(وزعموا أنّهم أهل استنباط علم اللّٰه) ؛يحتمل عطفه على«وضع»،وعود الضمير المرفوع إلى الموصول باعتبار المعنى.
ويحتمل كونه استئنافاً؛أي وزعم أهل الخلاف أنّ الجهّال والمتكلّفين أهل استنباط علم اللّٰه.
والفاء في قوله: (فقد كذبوا على اللّٰه) جزائيّة على الأوّل،وتفريعيّة على الثاني.
و قوله: (فضل اللّٰه) إمّا مصدر،وهو ضدّ النقص.أو بمعنى الفضيلة،وهي الدرجة الرفيعة في الكمال،وهنا كناية عن ولاية الأمر والإمامة.
و قوله: (ولم يكن لهم حجّة) أي برهان.
(يوم القيامة) في وضع ولاية الأمر في غير الصفوة،واتّباع الجهّال.
وقيل:المراد بالحجّة هنا إمام يدفع عنهم العذاب،ويشفع لهم . (إنّما الحجّة في آل إبراهيم) أي اتّباع آله الموصوفين بالصفات الآتية،فليس لهم أن يحتجّوا بأنّ من جعلوه إماماً وخليفة هو أيضاً من آل إبراهيم الذي جعله اللّٰه حجّة لهم.
(لقول اللّٰه عزّ ذكره) إلى قوله:
والملك العظيم إنّما هو الرئاسة العامّة،وإيتاؤه من اللّٰه لا منهم.
و قوله: (ينطق بذلك) أي يكون الحجّة لهم،لا لغيرهم من الجَهَلة.
و قوله: (وصيّة اللّٰه) منصوب على الحاليّة من اسم الإشارة،أو مرفوع على الخبريّة من
مبتدأ محذوف وما بعده؛أعني قوله: (بعضها من بعض) ؛مبتدأ وخبر منصوب المحلّ على الحاليّة منه.
و قوله: (التي وضعها على الناس) أي أوجب عليهم قبولها صفة للوصيّة.
وضمير التأنيث في الموضعين راجع إليها؛أي هذه الاُمور المذكورة من النبوّة والخلافة، وموضعهما ومحلّهما وصيّة من اللّٰه،أخذها كلّ نبيّ وإمام عمّن قبله،وأوجب اللّٰه على غيرهما من الرعيّة أخذها وقبولها.
و قوله: (فقال عزّ وجلّ...) إشارة إلى بيان ما ينطق به الكتاب.
قال البيضاوي:
إنّه متعلّق بما قبله؛أي كمشكاة في بعض بيوت،أو توقد في بيوت،فيكون تقييداً للمثَل به بما لايكون تحبيراً ومبالغة فيه؛فإنّ قناديل المساجد تكون أعظم.أو تمثيلاً لصلاة المؤمنين،أو أبدانهم بالمساجد.
ولا ينافي جمع«البيوت»وحدة«المشكاة»؛إذ المراد بها ما له هذا الوصف بلا اعتبار وحدة ولا كثرة،أو بما بعده وهو«يسبّح»،وفيها تكرير مؤكّد لا يذكر؛لأنّه من صِلَةِ «أنْ»،فلا يعمل فيما قبله،أو بمحذوف مثل سبّحوا في بيوت،والمراد بها المساجد؛لأنّ الصفة تلائمها.وقيل:المساجد الثلاث،والتنكير للتعظيم.
و قوله: (فهذا) أي ما ذكر من الاُصول والقواعد.
(بيان عروة الإيمان) .
«العروة»في الأصل من الدلو والكوز:المقبض.ومن الثوب:اُخت زره،وقد استعيرت لاستمساك الحقّ بالنظر الصحيح والرأي القويم.
وقيل:المراد بالعروة هنا الرسول ووصيّه على سبيل الاستعارة؛لأنّ من تمسّك بها،فهو حامل للإيمان،وناج من الهلاك الدنيوي والاُخروي،والعقوبات اللاحقة لمن لم يتمسّك بها .
و قوله: (وبها ينجو من يتّبع الأئمّة) .
قيل:مقتضى الظاهر أن يقول:وبها ينجو من ينجو منكم.وإنّما عدل عنه؛للتصريح بالمقصود،وهو أنّ نجاة هذه الاُمّة باتّباع الأئمّة من آل محمّد صلى الله عليه و آله . (وقال اللّٰه-عزّ وجلّ-في كتابه) في سورة آل عمران:
قال البيضاوي:
الضمير لإبراهيم؛إذ الكلام فيه.وقيل:لنوح؛لأنّه أقرب،ولأنّ يونس ولوطاً ليسا من ذرّيّة إبراهيم،فلو كان لإبراهيم اختصّ البيان بالمعدودين في تلك الآية والتي بعدها،والمذكورون في الآية الثالثة عطف على«نوحاً».
وفيه دليل فضلهم على من عداهم من الخلق.
ولا مهديّاً.
وقيل:هم الأنصار،أو أصحاب النبيّ،أو كلّ مَنْ آمن به،أو الفُرْسُ.وقيل: الملائكة.
وتفسيره بالملائكة؛لأنّ لفظ القوم لا يشملهم لغةً.
قال الجوهري:
القوم:الرجال دون النساء،لا واحد له من لفظه.والقوم يُذكّر ويؤنّث؛لأنّ أسماء الجموع-التي لا واحد لها من لفظها-إذا كانت للآدميّين تذكّر وتؤنّث،مثل رَهْط ونفر وقوم.انتهى .إذا عرفت هذا فنقول:الظاهر أنّ المشار إليهم اُولئك القوم المذكورون،والأمر بالاقتداء بهداهم لكلّ مكلّف.
وقوله عليه السلام: (فإنّه وكّل بالفُضَّل من أهل بيته) أي لعمل أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله.
والظاهر أنّ«الفضّل»بيان للقوم الموكّلين.و«وكّل»على صيغة المعلوم من المزيد، والمستتر فيه راجع إلى اللّٰه.والباء زائدة.
وقال بعض الأفاضل:
يحتمل أن يقرأ:«وكَلَ»بالتخفيف،ويكون الباء بمعنى«إلى»؛أي وَكَلَ الإيمان والعلم إلى الأفاضل من أهل بيته بالتشديد على سبيل القلب،أو بتخفيف الفَضْل، فيكون«من أهل بيته»مفعولاً لقوله:«وكّل»؛أي جماعة من أهل بيته بالفضل،وهو العلم والإيمان.
قال:وإنّما احتجنا إلى هذه التكلّفات؛لأنّ الظاهر من كلامه عليه السلام بعد ذلك أنّه فسّر القوم بالأئمّة .
و قوله: (والإخوان والذرّيّة) عطف على«أهل بيته»،أو على«الفضّل».وعلى التقديرين يكون العطف للتفسير والبيان،أو من عطف الخاصّ على العامّ؛أي بعض إخوان كالحسنين، وبعضهم ذرّيّة كسائر الأئمّة،وبعضهم ليس هذا ولا ذاك كأمير المؤمنين عليه السلام.
وعلى الأوّل يمكن إدراجه عليه السلام في الإخوان؛لقول النبيّ صلى الله عليه و آله:«أنت أخي».وفي الذرّيّة؛ لأنّه من ذرّيّة الأنبياء.
و قوله: (أن تكفر بها اُمّتك) إشارة إلى تفسير هؤلاء،وأنّ المراد به جميع الاُمّة،لا خصوص قريش.
والظاهر أنّ المراد بالإيمان ما يجب الإيمان به ممّا جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله ل قوله: (أرسلتك به) ؛ وأعظمه الولاية.
و قوله: (علماء اُمّتك) صفة لأهل بيتك،أو بدل منه.ويحتمل كونه مبتدأ،وقوله:«من أهل بيتك»خبره،قدّم عليه للتخصيص.
وفي كتاب إكمال الدِّين هكذا:«وجعلت أهل بيتك بعدك عَلَمَ اُمّتك».
و قوله: (وأهل استنباط العلم) إلى آخره.
قال الفاضل الإسترآبادي:«فيه إشارة إلى أنّ الاستنباطات الظنّيّة من الأصل والاستصحاب وإطلاق الآية والقياس أو نحو ذلك غير جائزة»انتهى .والرياء:معروف.والإثم،بالكسر:الذنب،وأن يعمل ما لا يحلّ.
والبَطَر،بالتحريك:الدهش،والحيرة،وكراهة الشيء من غير أن يستحقّ الكراهة،وطول الفساد،والتكبّر عن قبول الحقّ،والكذب من القول،والعقد بما لا يطابق الواقع.
والزور،بالضمّ:الكذب مطلقاً؛أي الكذب عن عمد،أو الميل عن الحقّ،أو الشرك باللّٰه، أو ما يُعبد من دون اللّٰه.
قيل:فعلى الأوّل لا فرق بينه وبين الكذب،فذكره تأكيد.وعلى الثاني بينهما عموم وخصوص مطلقاً.وعلى الثلاثة الأخيرة بينهما مباينة؛أمّا على الأخيرين فظاهر،وأمّا على السابق منهما؛فلأنّ القول من حيث إنّه غير مطابق للواقع كذب،ومن حيث إنّه مائل عن الحقّ زور.وفيه تعريض بمن فيه جميع ذلك . و قوله: (وأهل استنباط العلم) إلى آخره.
قال الفاضل الإسترآبادي:«فيه إشارة إلى أنّ الاستنباطات الظنّيّة من الأصل والاستصحاب وإطلاق الآية والقياس أو نحو ذلك غير جائزة»انتهى .والرياء:معروف.والإثم،بالكسر:الذنب،وأن يعمل ما لا يحلّ.
والبَطَر،بالتحريك:الدهش،والحيرة،وكراهة الشيء من غير أن يستحقّ الكراهة،وطول الفساد،والتكبّر عن قبول الحقّ،والكذب من القول،والعقد بما لا يطابق الواقع.
والزور،بالضمّ:الكذب مطلقاً؛أي الكذب عن عمد،أو الميل عن الحقّ،أو الشرك باللّٰه، أو ما يُعبد من دون اللّٰه.
قيل:فعلى الأوّل لا فرق بينه وبين الكذب،فذكره تأكيد.وعلى الثاني بينهما عموم وخصوص مطلقاً.وعلى الثلاثة الأخيرة بينهما مباينة؛أمّا على الأخيرين فظاهر،وأمّا على السابق منهما؛فلأنّ القول من حيث إنّه غير مطابق للواقع كذب،ومن حيث إنّه مائل عن الحقّ زور.وفيه تعريض بمن فيه جميع ذلك . و قوله: (طهّر أهل بيت نبيّه) ؛إشارة إلى آية التطهير،وأنّها نزلت فيهم عليهم السلام.
و قوله: (وسألهم أجر المودّة) ؛إشارة إلى قوله تعالى:
وفي
وفي كتاب إكمال الدِّين:«جعل لهم أجر المودّة».
و قوله: (وأجرى لهم الولاية) ؛إشارة إلى قوله تعالى:
و قوله: (وجعلهم أوصياءه وأحبّاءه) .
فاعل«جعل»كفاعل«سأل»،والضمير المنصوب في الموضعين للنبيّ صلى الله عليه و آله.
و قوله: (ثابتة) ؛حال عن الولاية والمودّة،أو عنهما وعن الوصاية والمحبّة،أو خبر مبتدأ محذوف؛أي الاُمور المذكورة ثابتة لهم بعد رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله في اُمّته؛يعني أنّها واجبة لازمة، أو مستمرّة غير منقطعة.
وقيل:هي حال عن الأوصياء والأحبّاء،والتأنيث باعتبار الجماعة،أو الوصاية والمحبّة .
و قوله: (حيث وضع اللّٰه) ظرف للقول،أو للاعتبار.
و قوله: (فإيّاه فتقبّلوا،وبه فاستمسكوا تنجوا به) ؛الظاهر أنّ الضمائر المنصوبة والمجرورة للموصول،وإرجاعها إلى الوضع بعيد.
وفسّر البيضاوي التقبّل في قوله تعالى:
وكان قوله: (وطريق ربّكم) عطف على الحجّة؛أي يكون لكم طريق إلى ربّكم في الدُّنيا، أو طريق موصل إلى الجنّة في الآخرة.
ويحتمل كونه خبر مبتدأ محذوف؛أي ما قلت،أو الحجج طريق إلى ربّكم.
و قوله: (لا تصل ولاية إلى اللّٰه إلّابهم) ؛لعلّ المراد أنّه لا تقبل ولاية اللّٰه إلّابولايتهم،أو لا تصل ولاية إلى اللّٰه إلّاإذا تعلّقت بهم.
و قوله: (أن يُكرمه ولا يعذّبه) .
قيل:الإكرام إشارة إلى إيصال أنواع الخير،ونفي التعذيب إلى دفع أنواع الشرّ .
مجهول. قوله عليه السلام: نسي فأكل منها اعلم أن أقوى شبه المخطئين لأنبياء الله الظواهر الدالة على عصيان آدم و حملوها على ظواهرها بناء على أصلهم من عدم وجوب عصمة الأنبياء عليهم السلام، و ضبط القول في ذلك أن الاختلاف في هذا الباب يرجع إلى أقسام أربعة. أحدها: ما يقع في باب العقائد، و ثانيها: ما يقع في التبليغ، و ثالثها: ما يقع في الأحكام و الفتيا، و رابعها: في أفعالهم و سيرهم، أما الكفر و الضلال في الاعتقاد فقد أجمعت الأمة على عصمتهم عنهما قبل النبوة و بعدها، غير أن الأزارقة من الخوارج جوزوا عليهم الذنب، و كل ذنب عندهم كفر، فلزمهم تجويز الكفر عليهم، بل يحكى عنهم أنهم قالوا: يجوز أن يبعث الله نبيا علم أنه يكفر بعد نبوته، و أما النوع الثاني و هو ما يتعلق بالتبليغ، فقد اتفقت الأمة بل جميع أرباب الملل و الشرائع على وجوب عصمتهم عن الكذب و التحريف فيما يتعلق بالتبليغ عمدا و سهوا، إلا القاضي أبا بكر فإنه جوز ما كان من ذلك على سبيل النسيان، و فلتأت اللسان. و أما النوع الثالث: و هو ما يتعلق بالفتياء، فأجمعوا على أنه لا يجوز خطاؤهم فيه عمدا و سهوا إلا شر ذمة قليلة من العامة. و أما النوع الرابع: و هو الذي يقع في أفعالهم فقد اختلفوا فيه على خمسة أقوال. الأول: مذهب أصحابنا الإمامية و هو أنه لا يصدر عنهم الذنب لا صغيرة و لا كبيرة، و لا عمدا و لا نسيانا و لا لخطأ في التأويل، و لا للإسهاء من الله تعالى، و لم يخالف فيه إلا الصدوق و شيخه محمد بن الحسن الوليد رحمهما الله تعالى، فإنهما جوزا الإسهاء، لا السهو الذي يكون من الشيطان، و كذا القول في الأئمة الطاهرين. الثاني: أنه لا يجوز عليهم الكبائر، و يجوز عليهم الصغائر إلا الصغائر الخسيسة المنفرة كسرقة حبة و لقمة، و كل ما ينسب فاعله إلا الدناءة و الضعة، و هذا قول أكثر المعتزلة. الثالث: أنه لا يجوز أن يأتوا بصغيرة و لا كبيرة على جهة التأويل أو السهو و هو قول أبي على الجبائي. الرابع: أنه لا يقع منهم الذنب إلا على جهة السهو و الخطإ، لكنهم مأخوذون بما يقع منهم سهوا و إن كان موضوعا عن أمتهم لقوة معرفتهم و علو مرتبتهم، و كثرة دلالتهم و إنهم يقدرون من التحفظ على ما لا يقدر عليه غيرهم و هو قول النظام و جعفر بن مبشر و من تبعهما. الخامس: أنه يجوز عليهم الكبائر و الصغائر عمدا و سهوا و خطأ، و هو قول الحشوية و كثير من أصحاب الحديث من العامة، ثم اختلفوا في وقت العصمة على ثلاثة أقوال: الأول: أنه من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله سبحانه و هو مذهب أصحابنا الإمامية. الثاني: أنه من حين بلوغهم، و لا يجوز عليهم الكفر و الكبيرة قبل النبوة و هو مذهب كثير من المعتزلة. الثالث: أنه وقت النبوة، و أما قبله فيجوز صدور المعصية عنهم، و هو قول أكثر الأشاعرة، و منهم الفخر الرازي، و به قال أبو هذيل و أبو علي الجبائي من المعتزلة. إذا عرفت هذا فاعلم أن العمدة فيما اختاره أصحابنا من تنزيه الأنبياء و الأئمة عليهم السلام عن كل ذنب و دناءة و منقصة قبل النبوة و بعدها قول أئمتنا سلام الله عليهم بذلك، المعلوم لنا قطعا بإجماع أصحابنا مع تأيده بالنصوص المتظافرة، حتى صار ذلك من قبيل الضروريات في مذهب الإمامية. و قد استدل عليه أصحابنا بالدلائل العقلية و قد أوردنا بعضها في شرح كتاب الحجة ، و من أراد تفصيل القول في ذلك فليرجع إلى كتاب الشافي و كتاب تنزيه الأنبياء و غيرهما من كتب أصحابنا. و الجواب مجملا: عما استدل به المخطئون من إطلاق لفظ العصيان و الذنب فيما صدر عن آدم عليه السلام هو أنه لما قام الدليل على عصمتهم نحمل هذه الألفاظ على ترك لمستحب و الأولى، أو فعل المكروه مجازا، و النكتة فيه كون ترك الأولى و مخالفة الأمر الندبي و ارتكاب النهي التنزيهي منهم، مما يعظم موقعه لعلو درجتهم و ارتفاع شأنهم، و أما النسيان الوارد في هذه الآية فقد ذكر جماعة من المفسرين أن المراد به الترك، و قد ورد في كثير من الأخبار أيضا. منها ما رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن المفضل بن صالح عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله