«محمد بن يحيى،عن احمد بن محمد،عن ابن محبوب،عن عبد اللّه بن سنان». بن طريف مولى بنى هاشم،و يقال مولى بنى ابو طالب،و يقال:مولى بنى العباس،كوفى ثقة من اصحابنا جليل لا يطعن عليه فى شيء روى عن الصادق عليه السلام،و قيل:روى عن ابى الحسن موسى عليه السلام و لم يثبت«صه» «قال ذكرت لابى عبد اللّه عليه السلام: رجلا مبتلى بالوضوء و الصلاة،و قلت هو رجل عاقل،فقال ابو عبد اللّه عليه السلام:و اى عقل له هو يطيع الشيطان فقلت له:و كيف يطيع الشيطان؟فقال:سله هذا الّذي يأتيه من اى شيء؟فانه يقول لك:من عمل الشيطان». مبتلى بالوضوء و الصلاة اى بالوسواس فى فعلها من جهة الشك فى وقوع النية او غيرها،و الوسواسة فى النية سببه خبل فى العقل او جهل بالشرع،لان امتثال امر اللّه كامتثال امر غيره،و تعظيمه كتعظيم غيره فى باب ما يتعلق بالقصد،فمن دخل عليه عالم فقام له تعظيما،فلو قال:انتصبت قائما تعظيما لدخول هذا الفاضل لاجل فضله قياما مقارنا لدخوله مقبلا عليه بوجهى،لعد سفيها فى عقله،لان هذه المعانى و الصفات محظورة بالبال لا يستدعى حضورها جملة فى القلب طولا فى الزمان،و انما يطول زمان نظم الالفاظ الدالة عليها اما تلفظا باللسان او حديثا بالنفس،فمن لم يفهم نية الصلاة على هذا الوجه فكأنه لم يفهم معنى النية،فليس معناها الا انك دعيت بامر اللّه الى ان تصلى فى وقت معين،فاجبت و قمت،فالوسوسة محض الجهل. فان هذه القصود و هذه العلوم مجتمعة فى النفس فى حالة واحدة و لا تكون مفصلة مشروحة فى الذهن،و فرق بين حضور الشيء فى النفس و بين حضور تفصيله فى الفكر، و قد يتصور الانسان شيئا بصورة واحدة يتضمن معانى كثيرة و قد يحكم عليه بحكم واحد يتضمن احكاما كثيرة،كقولك:الانسان حادث،فتصور الانسان يتضمن تصور الموجود و الممكن و الجوهر و الجسم و المتحيز و النامى و المتغذى و الحساس و العاقل و المختار و المتحرك و ذا الاعضاء من الرأس و اليد و الرجل و غيرها من الصفات و الاعضاء، و كذا الحكم بانه حادث حكم بانه موجود و انه فى زمان و ان لعدمه زمان سابق و لوجوده زمان لاحق،فهذه احكام متعددة يتضمنها الحكم بانه حادث،و لكن ليست هذه التفاصيل حاضرة فى الذهن متميزة بعضها عن بعض،فهكذا القياس فى قصد ايقاع الصلاة و غيرها ثم الوسوسة فى غير النية كاعمال الوضوء و الصلاة اشنع و اقبح. قوله عليه السلام:فيقول لك من عمل الشيطان،هذا قوله بلسانه و لم يؤمن به قلبه، اذ لو عرف على وجه البصيرة ان الّذي يأتيه من عمل الشيطان لكان رجلا عاقلا لا موسوسا، و انما يقوله تقليدا او اضطرارا،و ذلك على وزان ما حكى اللّه عن الكفار:
قال عليه السلام:فإنّه يقول لك:من عمل الشيطان. [ص12 ح10]
أقول: قولاً بلسانه ولم يؤمن به قلبه؛إذ لو عرف على وجه البصيرة،لكان عاقلاً كاملاً لا وسوسة تعتريه بوجه،بل إنّما يقوله تقليداً أو اضطراراً على وزان ما حكي عن الكفّار
وأمّا سبب الوسوسة ومنشأها ودفع الشبهة التي في أمر التأمّل في الإرادات وما يضاهيها[ف]يظهر بعد تمهيد مقدّمة هي أنّ الجوهر المجرّد المتعلّق بتربية البدن بلسان الشريعة هو القلب،وبلسان الحكمة والكلام بالنفس الناطقة،وهو في ذاته لمّا كان مجرّداً،يكون الملكوت الأعلى يفعل فيما دونه،وينفعل عمّا فوقه،فيكون حينئذٍ بمنزلة المرآة نظراً إلى الصور المثاليّة لأنواع المخلوقات القائمة به،أو بمثابة الأرض التي يتكوّن فيها أنواع النباتات لارتسام صورها فيه.
ومَداخل هذه الآثار المتجدّدة والصور المتعاقبة إمّا الحواسّ الظاهرة والباطنة،وإمّا الأخلاق النفسانيّة كالشهوة والغضب وغيرهما،فالاُولى من المبادي الإدراكيّة، والثانية من المبادي العمليّة.
ثمّ تؤثّر هذه الأشياء في النفس أثراً مّا،فبهذا الاعتبار يسمّى ذلك المجرّد بالقلب؛ لكونه محّلاً للحوادث الإدراكيّة،وموضوعاً للأحوال النفسانيّة،وهذه الأحوال هي أسباب وبواعثُ للأفعال الصادرة بالقدرة،ويعبّر عنها بالتصوّر.
وبالجملة،إنّه لا يزال في التغيير والانتقال والتأثّر عن آثار تلك الأسباب الداخلة والخارجة،ويسمّى تلك الآثار بالخواطر؛لخطورها بالقلب بعد أن كان غافلاً عنها، فالخواطر محرّكات وأسباب للأشواق،وهي للقوى والقُدَر،فتحصل الإرادة وهي محرّكة للأعضاء والجوارح،وبها يظهر الأفاعيل في الخارج،فمبدأ الفعل البشري هو الخاطر،وهو محرّك الرغبة،وهي تحرّك العزم والقصد والإرادة،وهي تبعث القدرة، والقدرة تحرّك العضو،فيصدر الفعل من هذه المبادي المترتّبة.كلّ ذلك بإذن اللّٰه ومشيّته وقدرته.
هكذا جرت سنّة اللّٰه في أفعال عباده،ومن أنكر هذه الوسائط وعزل الأسباب عن فعلها،فقد أساء الأدب مع اللّٰه مسبِّبِ الأسباب؛حيث أراد رفْعَ ما وضعه اللّٰه،وعَزْلَ ما نصبه.
فإذا تقرّر هذا،فنقول:إنّ الخواطر الباعثة للإرادات على ضربين:أحدهما ما يدعو إلى الشرّ،أيما يضرّ في العاقبة.وثانيهما يدعو إلى الخير،أيما ينفع في أمر الآخرة، فهما خاطران مختلفان،فيفتقران إلى اسمين مختلفين،فالخاطر المحمود يسمّى إلهاماً،والمذموم وسواساً.
ثمّ إنّك قد علمت أنّ هذه الخواطر لمّا كانت حادثةً،[ف]لابّد لها من سبب حادث، ومهما اختلفت دلّت على أنّ أسبابها القريبة مختلفة سيّما الاختلاف بالذات؛ألا ترىٰ أنّ استنارة حيطان البيت بنور النار،وإظلامَ سقفه بالدخان،فالسببان كالمسببّين مختلفان،فكذلك سبب الخاطر الداعي إلى الخير يسمّى ملكاً،وسبب الداعي إلى الشرّ يسمّى شيطاناً،واللطف الذي يتهيّأ به القلب لقبول إلهام الملك يسمّى توفيقاً، والذي به يتهيّأ لقبول وسوسة الشيطان يسمّى إغواءً وخذلاناً؛
فإنّ المعانيَ المختلفةَ تفتقر في التعبير عنها إلى أسامٍ مختلفة.
فالملك عبارة عن خلقٍ خلقه اللّٰه،أمْرُه إفاضة الخير وإلهام الحقّ وإفادة العلم والوعد بالمعروف،وقد خلقه وسخّره لذلك.
والشيطان عبارة عن خلقةٍ شأنه وأمره ضدّ ذلك،وهو الإغواء والإيحاء بالغرور، والوعد بالشرور،والأمر بالمنكر،والتخويف والإيعاد بالفقر عند الهمّ في الخير.
والوسوسة في مقابلة الإلهام،والشيطان في مقابلة الملك،والتوفيق في مقابلة الخذلان،والقلب-مادام قلباً-متجاذب بين الشيطان والملك. وفي الخبر:«في القلب لمّتان لَمّة من الملك وعد بالخير وتصديق بالحقّ.ولَمّة من العدوّ إيعاد بالشرّ وتكذيب بالحقّ ونهي عن الخير» .
والقلب بفطرته الأصليّة صالح لقبول آثار الملائكة ولقبول آثار الشيطان على السواء،وإنّما يترجّح أحدهما على الآخر باتّباع الهوى والإكباب على الشهوات،أو بالإعراض عنها ومخالفتها.
ولكلّ من الملائكة والشياطين جنود مجنّدة،فإن اتّبع الإنسان مقتضى الشهوة والغضب والهوى والدواعي الذميمة والأخلاق السيّئة،ظهر تسلّط العدوّ بواسطة الهوى والجهل،[و]صار القلب عُشَّ الشيطان.
وإن جاهد الهوى والشهوات،وسلك مسلك السداد من العلم والطهارة-وبالجملة قد استكمل بالعلم والعمل-صار القلب كالسماء مستقرّ الملائكة الكرام ومهبط الإلهامات،وموطن الإشراقات.فقد بان سبب الوسوسة فاعلُها وقابلها،وكذا سبب ما يقابلها .
ثمّ إنّ الشياطين جنود مجنّدة كالملائكة،وإنّ لكلّ نوع من المعاصي شيطاناً يخصّه ويدعو لها.
وعن مجاهد:أنّ لإبليس خمسةً من الأولاد،جعل كلّ واحد منهم على شيء من أمره،فذكر أساميهم:ثبور،والأعور،ومسوط،وداسم،وزلينور؛فأمّا ثبور،فهو صاحب المصائب الذي يأمر بالثبور وشقّ الجيوب ولطم الخدود.وأمّا الأعور،فهو صاحب الرياء يأمر به ويزيّنه.وأمّا مسوط،فهو صاحب الكذب.وأمّا داسم،فيدخل مع الرجل إلى أهله ويريه العيب فيهم،ويغضبه عليهم.وأمّا زلينور،فهو صاحب السوق،وبسببه لا يزالون لمتطمّين .
وشيطان الصلاة يسمّى حرباً،وشيطان الوضوء الوَلْهان .
ثمّ إنّ تولّد شيطان من آخَرَ كتكوّن شرر نار كثيرة الدخان من نار اُخرى مثلها،وتولُّدَ ملك من ملك كحصول نور من نور،أو كحصول علم من علم.
وفي الخبر عن أبي أمامة قال:قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم:«وُكِّلَ بالمؤمن مائة وستّون ملكاً يذبّون عنه ما لم يقدر عليه؛من ذلك للبصر سبعة أملاك يذبّون عنه،كما يُذَبّ عن قصعة العسل الذِّبّانُ في اليوم الصائف،وما لو بدا لكم،لرأيتموه على كلّ سهل وجبل كلّهم باسط يده فأغرفاه،وما لو وُكّل العبد إلى نفسه طرفة عين،لاختطفته الشياطين» .
ولهذا المرام تفصيل لا يسعه المقام.
شرح: حكايت كردم براى امام جعفر صادق عليه السّلام احوال مردى را كه به بلاى وسواس در نيّت وضو و نماز گرفتار است و گفتم كه: او مردى است خردمند.
پس امام عليه السّلام گفت كه: چه خردمندى او داشته باشد و حال آن كه او پيروى شيطان مىكند؟ گفتم كه: چگونه پيروى شيطان مىكند؟
امام عليه السّلام گفت كه: اگر خواهى كه دانى، سؤال كن مرد را كه اين وسواس كه بر سر او در نيّت وضو و نماز مىآيد، از چه بابت است؟ چه او، اقرار خواهد كرد كه از كارى است كه شيطان مىفرمايد.
هديّة:
(هو رجل عاقل) أي لا نقص له بحسب العقل.
(وأيّ عقلٍ له) أي كامل.
ولمّا كان المشهور في جميع الاُمم أنّ الوسواس في العبادات ونيّاتها إنّما هو من الشيطان قال عليه السلام: (سَلْهُ) .
قال برهان الفضلاء:«مبتلى بالوضوء والصلاة»أي بالوسواس في نيّتهما.
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله:
قوله:«وهو يطيع الشيطان»ويفعل ما يأمره به،فسأله السائل عن إبانة أنّه يطيع بفعله الشيطان،فنبّه عليه السلام بأنّه لو سئل عن مستنده لم يكن له بدّ من أن يسنده إلى الشيطان؛ حيث لا شبهة في أنّه لا مستند له في الشرع ولا في العقل .
صحيح. قوله: مبتلى بالوضوء و الصلاة، أي بالوسواس في نيتهما أو في فعلهما بالإبطال و التكرير على غير جهة الشرع، أو بالمخاطرات التي تشتغل القلب عنهما، و توجب الشك فيهما، و الأوسط أظهر نظرا إلى عادة ذلك الزمان. قوله: و هو يطيع الشيطان، أي يفعل ما يأمره به من الوسواس، أو يطيعه فيما يصير سببا لذلك، فسأله السائل عن إبانة أنه يطيع بفعله الشيطان فنبه عليه السلام بأنه لو سئل عن مستنده لم يكن له بد من أن يسنده إلى الشيطان حيث لا شبهة أنه لا مستند له في الشرع و لا في العقل، و على الأخير المراد أنه يعلم أن ما يعرض له من الخواطر و الوساوس إنما هو بما أطاع الشيطان في سائر أفعاله.